حين يشعر المرء في أي مجتمع أن الدولة عبر مؤسساتها لا تحميه، أو مقصرة في ذلك، أو متغولة عليه، فينحو تدريجيا، ومن غير وعي، إلى الركن لأبناء عشيرته وقريته ودشرته..
حين يجد المواطن أنه مصنف لدرجة ثانية وثالثة، وأن واجهة الدولة ليست في خدمته، بل قد تبتزه، وتعطله، فإنه يكفر تدريجيا بعقد المواطنة، ويأخذ على عاتقه مسؤولية أخذ حقوقه أو إرجاعها، بسلوكات “ما قبل الدولة”..
في بعض مناطق الوطن، يعتمد بعض أفراده على أبناء عمومته وعشيرته في الدفاع عن حقوقه، أو فرض منطقه، وقد لا يتوجه لا إلى الشرطة والدرك ولا إلى العدالة، بل يصفُّون حساباتهم بالبارود والسكين..
بعض هذه المشاهد موجودة حتى في أحياء بالعاصمة، إذ يشعر البعض أن التوجه للشرطة هو دليل “رخس” و “عدم رجولة” لأنك لا تستطيع أن تعيد حقك ب “ذراعك”، حسب اعتقادهم!!
تعمل مخابر الغرب، المحتل السابق ومنافسوه، من ضمن ما يعمل، على تغذية هذه المظاهر، عبر اختراق الإدارة وزرع فكرة “التفرعن” عند الموظف المواجه للمواطن، كي يغذي لدى هذا المواطن نزعة التحول للعشائرية والدشروية، ونبذ محاولة تطوره لمرحلة سيادة القانون على الجميع..
ولا يمكن بحال من الأحوال أن تنتج هذه السياسة، مع سياسات أخرى، إلا تكوين جيل يعتقد أنه “لا يشبه” أخاه في نفس البلد في: التفكير، ونمط العيش، والمصير.. فتتسلل أفكار الخيانة على أنها “وجهة نظر”، وإرهاب الانفصال والفدرلة على أنه “رأي محترم”..
إن أكبر مسؤولية على الإطلاق، تقع على حاكم أي بلاد هي سد هذه الفجوة والثغرة التي تنهدم بها أي أمة، عبر الحرص على تكوين وتدريب موظفي الدولة باستمرار وبكثافة من جهة، ولكن أيضا ب “مطرڤ” منطق الدولة ولو كان متطرفا !!
إن الحاكم، إن لم يفعل هذا، فسيجد نفسه يلعب في الوقت بدل الضائع للتحايل على ما قد يملى عليه خارجيا، عبر تطبيق الفدرلة استباقا كما يتوهم من عنده، فينفذ أجندة غيره من حيث يعتقد أنه ذكي!!
هشام موفق